يعود تاريخ مدينة الغزوات إلى العهد الروماني القديم حيث سميت في ذلك العهد باسم
" ادفراتس" بمعنى الأخوان انتسابا إلي الصخرتين المتواجدتين في عرض البحر
مقابل الشاطئ.
و في القرن الحادي عشر أبدلت تسميتها من طرف العربي الأندلسي أبو عبيد البكري
الذي سماها واد غزوانا.
في سنة 1846 و بأمر ملكي حملت هذه المدينة العتيقة اسم نيمور انتسابا لدوق نيمور
و حدث ذلك بعد مرور سنوات قليلة من احتلال فرنسا للجزائر سنة 1830
لتصبح بعد ذلك الغزوات.
ادفراتس، واد غزوانا، جماعة الغزوات، توانت، نيمور، ثم الغزوات.
مدينة الغزوات استقبلت العديد من الشخصيات التاريخية أمثال الأمير عبد القادر الذي أمضى
فيها آخر ليلة له في بلده الجزائر قضاها بدار العسكري وذلك قبل ترحيله إلي فرنسا ثم سوريا.
و في أواخر الحرب العالمية الثانية زار مدينة الغزوات الشيخ البشير الإبراهيمي حيث التقى بمناضلي الحركة الوطنية آنذاك فأثمرت تلك الزيارة بميلاد الحركة الكشفية الإسلامية في الأربعينيات
والتي تكونت من الإخوة،حمدون محمد،أحمد مسعود، بناي البشير،بعوش محمد، طالب محمد و آخرين.
مدينة الغزوات قدمت أيضا العديد من أبناءها الأبطال للثورة المسلحة، ثورة 1 نوفمبر 54، أمثال
السايح ميسوم المدعو حنصالي ، مستغانمي احمد المدعو سي راشيد ، بعوش محمد المدعو
سي الطاهر ، بكاي عبد الله المدعو سي بن أحمد ، براق محمد ، عقاب بن أعمر ،حمدون
عكاشة ، عربان قدور ، السايح بو شاقور ، سايح سليمان ،عقاب رشيد، عبد الوهاب و آخرين
ستجدون مقتطفات عن حياتهم الثورية مصحوبة بصورهم، من خلال هذا الموقع،
بالإضافة إلى معلومات متنوعة حول معارك الغزوات و ضواحيها، المظاهرات، الاعتقالات
السجون، و التعذيب.
كذلك يجد المتطلع في هذا الموقع معلومات حول المنضمات الوطنية الحركية، كحركة الانتصار و الحريات الديمقراطية، حزب الشعب الجزائري، المنضمة السرية، الحركة الكشفية الإسلامية، حزب جبهة التحرير الوطني، المنضمة النسوية، و جيش التحرير الوطني
و في الخاتمة تعريفا لبعض الشهداء الذين سقطوا في ساحة الشرف ،مع قائمة أسمائهم،أولائك الذين ضحوا بحياتهم ليعيش الشعب الجزائري تحت ظل الحرية.
لمن يفظلون المطالعة باللغة الفرنسية الرجاء منهم الضغط على الرباط التالي: www.rijalzone2.over-blog.com
اندلاع ثورة 1 نوفمبر 1954
شهادة المرحوم المجاهد بكاي عبد الله المدعو سي بن أحمد مكتوبة بخط يده في بضعة أسطر تركها من بعد وفاته و هي عبارة عن ملخص يروي فيه وقائع اندلاع الثورة المسلحة و التحضير لها بمدينة الغزوات
و ضواحيها، و ذكر أسماء المناضلين الأوائل الذين خططوا لتلك الليلة التاريخية، ليلة 1 نوفمبر 1954.
الليلة التي اندلعت فيها الثورة المسلحة الجزائرية في مختلف مناطق البلاد، و قام الثوار بتخريب العديد
من ممتلكات المستعمرين و كسر الأعمدة الكهربائية وأعمدة الهاتف التي تربط بين المدن الكبرى.
في مدينة الغزوات أول جماعة شاركت في اندلاع الثورة المسلحة كانت تتكون من حوالي 30 مجاهد اذكر
بعض الأسماء التي ما زلت أتذكرها.
طاب عبد الوهاب- بكاي عبد الله سي بن أحمد- بعوش محمد سي الطاهر- مستغانمي أحمد سي راشيد-
بن سعيد محمد- السايح الميسوم الحنصالي- براق أحمد- درويش محمد – موفق محمد- موفق بزيان-
السايح صالح- عبد القادر من دوار العنابرة- حمدون بن سليمان- حمدون عكاشة- و آخرين ....
هِؤلاء المذكورة أسماءهم كانوا من رجال التحضير للثورة المسلحة بالناحية الثانية الولاية الخامسة.
الناحية الثانية كانت ترأسها قسمة مدينة الغزوات و هي مسيردة لفاقة و تحاتة
ناحية ترارة، ناحية جبالة، أولاد براشد، ناحية فلاوسن.
لما و قع الخلاف في صفوف الحركة النضالية سنة 1953 انقسم الحزب إلى حياديون و مساليون، وكانت
الأغلبية هم الذين أيدوا مسالي الحاج والأقلية المتبقية الذين فضلوا الحياد و أصبحوا يدعون الحياديون،
فهم الجماعة الذين حضروا و خططوا للقيام بالثور سنة 1954 على رأس الجبهة في منطقة غزوات مع
الأخ عبد الحفيظ بوصوف و الاخ العربي بن مهيدي.
تبين للجماعة أن الطريق الوحيد للوصول الي تحرير الجزائر هو اللزوم بمحاربة الأستعماربالسلاح.
كانت الموافقة على ذلك في الوقت الذي اجتمعنا مع عبد الحفيظ بوصوف و وضح لنا المعالم المؤدية
إلى طريق الكفاح المسلح و كان عدد المناضلين الذين حضروا في هذا الاجتماع 14 و هم كالتالي.
مستغانمي أحمد المدعوسي راشيد- بعوش محمد المدعو سي الطاهر - السايح الميسوم المدعو الحنصالي
بكاي عبد الله المدعو بن أحمد- براق محمد- سعيد محمد- الطالب عبد الوهاب- لامين أعمر
بل أحسن- شريف العجرودي- ازماني سي لخضر(وهؤلاء كلهم من مدينة الغزوات).
كان هدفنا استرجاع المناضلين الذين تمسكوا بالبقاء في حزب مسالي الحاج إلى الحركة الثورية.
لما وقع الخلاف في صفوف الحركة النضالية و بعد مرور شهر، زارنا الأخ بوصوف عبد الحفيظ و أخبرنا أن حزب ميسالي قد خان الوعد وهدم كل ما بنيناه، و طلب منا البقاء في الحياد إلى أن يحين
الوقت الموعود و التزمنا بأوامر الأخ بوصوف نحن جماعة قسمة الغزوات القليل عددنا آنذاك.
حمدون محمد- بعوش محمد- طالب عبد الوهاب- براق محمد- بكاي عبد الله- مستغانمي أحمد- سايح
ميسوم.
في شهر جوان 1954 عاد إلينا الأخ بوصوف برفقة الأخ العربي بن مهيدي ليخبرنا هذه المرة بميلاد
حزب جديد يدعى جبهة التحرير الوطني، للقيام بالثورة فبالقوة نضرب القوة.
وفي شهر أوت 1954 زارنا الأخ بوصوف مرة أخرى و كانت زيارة مراقبة و تفقد، تعجب الأخ بوصوف و اندهش لتضاعف عدد المناضلين مما ألزمه أن يكرر و يكثر من الزيارات لمدينة الغزوات
ليقوم بتدريب المناضلين على كيفية استعمال الأسلحة، و الإشراف على تعليمهم كيفية صنع البارود
والقنابل التقليدية. و فعلا نجحت عملية التدريب.
معركة فلاوسن -1
شهادة المجاهد بعوش محمد (اسم الثورة) سي الطاهر الذي كان أسيرا بالقرب من مركز قائد إحدى
فيالق العدو المهاجمة، حول وقائع معركة فلاوس.
في 29 سبتمبر 1955 كنت وثلاثة من رفاقي المجاهدين في مهمة سرية، و قبل إتمام تلك المهمة
وقعنا في كمين للعدو، فألقي القبض علينا، و نقلنا بعدها إلى السجن بمدينة تلمسان حيث قضينا هناك
ثلاثة سنوات منها عامين بالسجن المدني و العام الأخير بسجن المنصورة الذي كان تابعا لفرقة اللفيف
الأجنبي. وفي نهاية الأسبوع الثالث من شهر أبريل 1957 بدأت قوات العدو في المنطقة و منها فرقة
اللفيف الأجنبي الذي نحن سجناء لديها، تستعد للقيام بالهجوم على منطقة جبل فلاوسن ، وكان عددنا
نحو أربعين مجاهد (40) و كانت المهمة التي كلفنا بها هي حمل القذائف و أجهزة الاتصال الثقيلة
لجنود العدو. و بعد وصول القوات المهاجمة إلى حافة جبل فلاوسن، جمع قائد الفيلق و هو برتبة رائد
جميع الضباط وضباط الصف و خاطبهم قائلا ( إننا سنقوم في هذا اليوم بأكبر معركة و أن قوات الفلاقة
المتواجدة هنا في أحراش و منحدرات هذا الجبل يوجد ضمنها جميع مسئولي الأفلان بالقطاع الغربي
الوهراني و لا تظنوا أن الأمر سهل، إذ أنه رغم علمهم (أي المجاهدين) بقدومنا لمحاصرتهم إلا أنهم
رفضوا الانسحاب و بالتالي فهم مصرون على الكفاح إلى آخر قطرة من دمهم. و على حسب المعلومات
التي وصلتنا أن قوات الفلاقة تتكون من 3 كتائب و مدفع هاون و 10 مدافع رشاش ، ومن ثم ليس من
السهل كما يتصور البعض القضاء عليهم بسرعة إذ يمتازون بالشجاعة و الإقدام ، لكن ينقصهم التنظيم
وعلى ذالك فمن الممكن أن نقضي عليهم. أما نحن فلدينا 33 ألف جندي مدعمين ببطاريات مدفعية و البوارج الحربية المتواجدة قرب ميناء الغزوات و تسندنا مجموعة من الطائرات المقاتلة المختلفة، وعدد
كبير من الدبابات و مدافع الميدان على اختلاف أنواعها).
في الربع الأخير من ليلة العشرين من شهر أفريل سنة 1957 كانت عملية الحصار قد تمت و أحكمت
بدقة و عناية، و مع إطلالة شعاع الصباح كانت اللمسات الأخيرة لخطة الهجوم على أتم ما يرام، إذ سبقها
عملية الاتصالات عن طريق أجهزة الاتصال الميدانية بين قادة الوحدات المشاركة في هذا الهجوم،مع
المراكز العسكرية المتواجدة بالناحية كمركز مزرعة افار ولخريبة و دار بن طاطة ،الزياتن و حصحاص
وكما هي العادة عندما تقوم قوات العدو بعملية هجوم أو حصار لأي منطقة ، فان أول عمل تقوم به هو تسليط نيران مدفعيتها بشكل مكثف ووحشي ثم يتبعها زحف القوات البرية، و بالفعل، فقد قامت المراكز العسكرية المجاورة و المحيطة بجبل فلاوسن بقصف جهنمي بواسطة مدفعية الميدان تساعدها من البحر
مدفعية البوارج الحربية الراسية بالقرب من ميناء الغزوات.
كان قائد قوات العدو بالقرب من الجهة التي كنت فيها و قد أعطى تعليمات محددة حول الأسرى من المجاهدين ، ووجه لهم الأمر بنزع جميع الأشياء التي تكشف عن هويتهم (أي أنهم عرب) كنزع
الشاش و الطربوش من فوق الرؤوس ...وحوالي السادسة صباحا من يوم 20 أفريل أعطى أحد قادة الوحدات أمر لمجموعة من جنوده بعد أن قسمها الى فوجين بالتقدم نحو المنطقة التي أمطرتها قذائف
مدفعية الميدان، واكتشاف الطريق إن كان آمنا أم لا. لكن هذين الفوجين سيطر عليهما الخوف الشديد
و تمكنا منهما، فرفضا و أصرا على الرفض بتنفيذ أوامر قائدهم، و القيام بالمهمة التي كلفوا بها ،و هذا
رغم علمهم المسبق بأن الإقدام على مثل هذا في زمن الحرب يعتبر عصيانا و تمردا و جزائه الإعدام
بدون محاكمة. ...........يتبع
معركة فلاوسن 2
ولما شاهد قائد الفيلق بنفسه عصيان هؤلاء الجنود لقائدهم نزل إليهم و وبخهم، ثم أشبعهم ضربا بالركل وقال لهم (عار عليكم). بعد ذالك قامت طائرة استكشاف بجولة تفتيشية في المنطقة استطاعت خلالها
تحديد أماكن و مواقع المجاهدين، أخطرت بعدها في الحال القيادة الأرضية، و بعد حوالي 25 دقيقة
بدأت عملية القصف الوحشي بواسطة المدافع معززة بأسراب من الطائرات المقاتلة من مختلف الأنواع
كان يتراوح عددها ما بين 16 إلى 18 طائرة.
وبعد أن دقت المنطقة بنيران جهنمية تحركت القوات الأرضية نحو مواقع تمركز المجاهدين في تحصيناتهم وهي على شكل حلقة دائرية. ولقد شاهدت قوات العدو و هي مرتبة في 3 أو4 صفوف وراء
بعضها البعض الأمر الذي أتاح للمجاهدين المحصنين في مواقعهم الدفاعية من توجيه نيران شديدة
وبصورة متواصلة ألحقت بقوات العدو المهاجمة خسائر فادحة و جسيمة اضطرت هذه الأخيرة إلى التقهقر نحو الخلف و استمر الحال على هذا المنوال لمدة من الوقت. كان العدو يحاول جاهدا اختراق
الحائط الدفاعي للمجاهدين إلا انه مني بخسائر كبيرة كلما حاول ذالك.
ولعل من الأسباب التي مكنت المجاهدين من إنزال خسائر كبيرة ضمن صفوف العدو، هو كون تحرك
قوات العدو المهاجمة في منطقة عارية مما سهل اصطيادها و القضاء على جزء كبير منها بسهولة .
و عند الساعة الواحدة بعد ظهر يوم 20 أفريل وبعد محاولات مستميتة من قبل قوات العدو تمكن
جنوده من التقدم و الوصول إلى طرف الغابة التي تغطي سفح الجبل ، الأمر الذي وفر لهم الحماية
و الغطاء و التقدم بسرعة نحو مواقع المجاهدين، و قد لاحظت في هذه الفترة اشتداد لهيب المعركة
و بدأت الأوضاع تسير في غير صالح المجاهدين المحاصرين من كل جهة.
و عند الساعة الثالثة بعد الظهر، بدا واضحا أن المجاهدين أصبحوا فاقدين السيطرة على الوضع و أن
وضعيتهم القتالية أصبحت بالفعل تسير نحو الهاوية، زاد حماسهم للقتال ، و رأينا بعض أخواننا يطلقون
النار على جنود العدو و هم واقفون منادين " الله اكبر" ، وسارت وتيرة القتال على هذا الحال، و بات واضحا أن وضعية المجاهدين تزداد بمرور الوقت سوءا . حاول المجاهدون تغيير إستراتيجية القتال
لكن السلاح الجوي للعدو استطاع بمشاركته في المعركة أن يقضي على عدد كبير من المجاهدين الأبطال
الذين خرجوا يواجهون جحافل قوات العدو وجها لوجه .
عندما وصل جنود العدو إلى مواقع القتال وجدوا كل المجاهدين الذين سقطوا في ميدان القتال مرتبين
في صف واحد بطريقة منضمة وجوههم نحو القبلة، لا توجد بحوزتهم قطعة سلاح واحدة ، أرجلهم
خالية من الأحذية، الأمر الذي أذهل قادة قوات العدو و جنودهم، وفي تلك اللحظة أمرنا قائد قوات لعدو
بتناول طعام الإفطار لأن يوم 20 أفريل صادف يوما من أيام شهر رمضان لتلك السنة.
وسط هذا الجمع من الشهداء امتنعنا من الأفطاراحتراما و تقديرا لتلك الأرواح الطاهرة، و كم هي الحالة
صعبة و قاسية جدا على نفوسنا و نحن أمام زملاء لنا كانوا بالأمس القريب رفقاء سلاح.
معركة فلاوسن 3
خسائر معركة فلاوسن بالنسبة لقوات العدو من قتلى
وجرحى وعدد الشهداء بالنسبة لجيش التحرير الوطني.
بحكم موقعي القريب من مركز قائد فيلق العدو وصلت إلى أسماعي أثناء اتصال لا سلكي جرى بين قائد الفيلق و قادة للوحدات الأخرى أن الخسائر في الجانبين كانت على النحو التالي=
- بالنسبة لقوات العدو في المنطقة التي كنت فيها أفاد بأنها تشمل عددا كبيرا بين قتيل و جريح.
- أما بالنسبة للمجاهدين فذكر بأنه تم القضاء على 80 مجاهدا (شهيدا).
و أما ما شاهدته بعيني فكانت خسارة العدو ما بين 35 إلي 40 عسكري مصاب بإصابات متفاوتة
الخطورة و ما بين 30 إلى 35 قتيل. انتهت شهادة المجاهد بعوش محمد اسم الثورة سي الطاهر.
يمكن للمتطلع على هذه الشهادة أن يتصوركم هي خسارة العدو بناء على ما تقدم ذكره من طرف المجاهد
سي الطاهر الذي حضر وقائع هذه المعركة لحظة لحظة مند بدايتها إلى نهايتها.
وحسب المعلومات التي أفضى بها المجاهدون بالمنطقة أن خسارة العدو في هذه المعركة تتراوح ما بين
700 قتيل و400 جريح، أما عدد الشهداء كان حوالي 106 وعدد الجرحى 60.
غير أن الرائد مستغانمي أحمد اسم الثورة سي رشيد يفيد بان الخسارة في صفوف المجاهدين حسب
التقارير التي أرسلت للقيادة آنذاك كانت على النحو التالي=
استشهد في المعركة 24 مجاهدا و 13 مواطن مدني و إصابة 14 مجاهدا بجروح مختلفة و أسر 11
مجاهدا. أما خسائر العدو فيتفق الجميع على أنها كانت جسيمة كما تم ذكرها. و في اليوم التالي أي في
21 أفريل خضرت قوات العدو و حملت معها العديد من البغال ،و بمساعدة سكان المداشيرو القرى المجاورة نقلت موتاها من ميدان المعركة ، وقد وصل إلى أسماع الأخوة المجاهدين يومها من قبل هؤٍٍلاء
المدنيين حسب ما شاهدوه أن عدد الموتى من جنود العدو كان كبيرا جدا ، وأنهم حملوا الجنود الذين هم من أصل فرنسي و تركوا الجنود السود من السنغاليين العاملين ضمن القوات الفرنسية و 24 مجاهدا في ميدان المعركة. إنها ملحمة خالدة من ملاحم ثورة التحرير الوطني.
وقائع الحملة التفتيشية ليوم 27 ماي 1956
شهادة المرحوم المجاهد بكاي عبد الله الاسم الحربي سي بن أحمد حول وقائع و أسباب الحملة التفتيشية
المشهورة التي قامت بها القوات الفرنسية المستعمرة في يوم 27 مايو 1956 من مدينة الغزوات إلى
مرسى بن مهيدي و من الطريق الوطني الرابط بينهما إلى البحر.
على اثر الكمين الذي نصبه الثوار في الطريق الوطني الرابط بين الغزوات و مدينة وجدة المغربية
وبالضبط قرب قرية أبغاون و قرية الصفراء بضواحي الغزوات قضى المجاهدون فيه على قافلة
عسكرية من جيش الاحتلال بكاملها إلا فردا واحدا من جيش العدو تماوت و تظاهر بأنه فقد الحياة، و عند الاستيلاء على الأسلحة و الذخيرة كان هذا الأخير يتابع و يشاهد كل ما قام به المدنيون من الأهالي
في مساعدة الثوار من حمل الأسلحة و الأمتعة، كما أخبرهم بأن جنود جيش التحرير توجهوا من الناحية
الغربية.
وهكذا أخدت القوات الفرنسية المستعمرة تستعد للقيام بحملة تفتيشية واسعة النطاق ممتدة على جميع
الرقعة الموجودة ما بين الطريق الوطني و البحر ممتدة من مدينة الغزوات إلى قرية مرسى بن مهيدي
بورساي آنذاك ، و جاءت القوات الفرنسية من كل جهة على أن تلتقي في الوسط ببحيرة أولاد بن عايد
بالإضافة إلى حوالي ثلاثون باخرة حربية كانت تقذف قنابلها في جميع الاتجاهات الموجودة بالناحية
تساعدها المراكز العسكرية التي كانت هي أيضا تقذف قنابلها في اتجاه رقعة التفتيش. و من بين هذه المراكز، مزرعة " أفار" مركز الخريبة، معسكر لعشاش، معسكر رقم24 ،معززة بثلاث طائرات مقنبلة.
أسفرت هذه الحملة على استشهاد أربع مائة و خمسون 450 مدنيا من رجال و شيوخ و نساء وأطفال، كما
أتلفت كل شيء من أثاث و مزارع و ممتلكات و هدمت المنازل و الأكواخ و استولت على المواشي.
دامت هذه الحملة التفتيشية ثلاثة أيام و لم يعثروا فيه على رجل واحد من الثوار لأنهم انسحبوا من الرقعة بذكاء و فطانة ولم يصابوا بأي سوء.
وقائع عملية معسكر حد الصبابنة ليوم 19 فبراير 1956
طبقا لأوامر الرائد مستغانمي أحمد المدعو سي رشيد، و قائد الأركان الحدودية الجزائرية المغربية،
و بمساعدة أحد المواطنين من تجار حد صبابنة وقع اتصال بين جيش التحريرالوطني و بعض الجزائريين المتجندين في القوات العسكرية الفرنسية الموجودة بمعسكر حد الصبابنة نظمت عملية تدمير و تخريب المعسكر والأستلاء على كل ما فيه، و قد وضع لذالك تخطيط دقيق كان ذالك بين السرجان حمايدية الزبير
الاسم الحربي لما تظاهر بأنه يقوم بدورية بالناحية ليحمي بتحركاته القوات الفرنسية، و عند وصوله الى قرية العنابرة وزع جنوده وسط القرية ثم دخل منزلا حيث وجد بداخله جماعة من مسئولي جيش التحرير الوطني في انتظاره كما كان مقررا في وعد سابق ، متظاهرا بأنه يفتش و يبحث عن "الفلاقة" ، و هناك
اجتمع بهم رأسا لرأس و درسوا العملية من كل الجوانب و كان على رأس الجيش المدعو قدور قنبلة الاسم
العائلي عريش بو مدين.
و في ليلة 19 فبراير 1956 طوق جيش التحرير الوطني المركز العسكري و ضرب حوله ثلاثة أحزمة
يدعى كل واحد منها حزامة، رزامة، و ردامة، لكل حزام دوره. بينما قام السرجان حمايدية بتنظيم رفاقه
داخل المركز ليقوم كل واحد منهم بالأستلاء على ما كان تحت مسؤوليته ، أما هو فقد قام بتشغيل ضباط
المعسكر بالألعاب المسلية كألعاب الورق و "الدومينو" و ما أشبه ذالك. و لمجرد ما وصل رجال جيش التحريرالوطني أبواب المعسكر انقض السرجان حمايدية و رفاقه الذين كانوا ينتظرون الساعة الفاصلة
و التي استعدوا لها استعدادا كاملا على الجنود الفرنسيين، و على من لم يستجيب لنداء جيش التحرير الوطني من الجنود الجزائريين الموجودين بداخل المعسكر. و بعد القضاء النهائي على جنود المعسكر
غنموا كل ما فيه من ذخيرة و عتاد و التي احتوت على تسع حمولات بغال من الخراطيش المختلفة
الأنواع و مائة و وخمسون قطعة من الأسلحة المتنوعة، وانضمام خمسة و خمسون جنديا جزائريا كانوا
بالمعسكر إلى صفوف جيش التحرير الوطني، وفر البعض و قضي على الباقي.
استشهد على اثر هذه العملية واحدا من جنود جيش التحرير الوطني، الذي كان يقدر بنحو الخمسة وخمسين تقريبا، و في اليوم الموالي قمت القوات الاستعمارية بحملة تفتيش واسعة النطاق بحثا عن
أفراد جيش التحريرالوطني لكن أعمال هذه الحملة ذهبت كأمواج الرياح.
حد الصبابنة يبعد عن مرسى بن مهيدي بنحو خمسة عشر كيلومترا و عن الحدود الجزائرية المغربية
بنحو 8 إلى 10 كلم.
عملية نقل السلاح من المغرب الى الجزائر في 29 مارس 1955
في يوم 29 مارس1955 وصلت سفينة "دينا" الأردنية القادمة من مدينة الإسكندرية المصرية إلى
عرض بحر أولاد بوعرفة على بعد 12 كلم شرقا من مدينة الناضور المغربية و التي كانت آنذاك
تحت الحكم الأسباني .سفينة "دينا" كانت حاملة لصناديق مملوءة بالأسلحة و الذخيرة يحدثنا المجاهد
المرحوم بكاي عبد الله المدعو سي بن أحمد عن هذه المهمة قائلا( وصلت الباخرة إلى أحد شواطئ المغرب الشقيق. و الذين تفاوضوا مع رؤساء الدول الصديقة لإرسال هذه الأسلحة هم الأخ أحمد بن بلة
و بوضياف محمد و الإخوان الذين كانوا برفقتهم في الخارج. أما الأخوة الذين كانوا على مثن الباخرة
هم الأخ الهواري بومدين، الأخ بسيف عبد القادر من ناحية بني مسهل بالقرب من مدينة ندرومة و الأخ
سي صديق من ناحية القبائل) .
كان في استقبال هذه الباخرة 17 المجاهد من مدينة الغزوات كلهم في استعداد تام لخوض هذه المغامرة
الصعبة و هي نقل هذه الحمولة من مدينة الناضور إلى مدينة الغزوات. رغم صعوبة المهمة تمكن هؤلاء
الرجال من تفريغ أكثر من 13 الطن من الأسلحة و نقلها عن طريق السباحة و الاستعانة بزورق صغير
إلى شاطئ أولاد بوعرفة.
كان بعين المكان كل من الأخوة شيبان أعمر و الطالب عبد الوهاب يقومان بإدارة العملية، يتكون هذا الفوج القادم من مدينة الغزوات من رجال معدين مجهزين مدربين على السباحة و الغطس و الغوص في عمق البحر. و رغم هيجان البحر و عاصفة الرياح و برودة الماء تمكن هؤلاء الأبطال من وضع آخر
صندوق على الشاطئ. يذكر لنا المجاهد السايح سليمان أسماء الذين قاموا بالعملية و هم كالآتي.
( سايح سليمان ، موفق موسى ، بكاي عبد الله المدعو سي بن أحمد ، مزور بن علي ، مزور عبد القادر
بوجنان أحمد المدعو سي عباس ، حمدون عكاشة ، مقدم أحمد المدعو الغالي ، موفق عبد القادر وموفق
أحمد و من عائلة العيدوني ، عمر ، صالح ، مختار ، و أحمد المدعو سي دريس).
تابع عملية نقل السلاح من المغرب الى الجزائر في 29 مارس 1955
جمعت لهم أكياس من الخيش و حبال طولها ثلاثة أمتار و أحدية رياضية قماشية وزعت على كل واحد منهم، الذي زودهم بهذه الأدوات هو المجاهد بعوش محمد المدعو سي الطاهر و الذي يذكر لنا وقائع
التحضير للقيام بعملية نقل السلاح من المغرب إلى الغزوات ( قرر مسئولو المنطقة أن يعقدوا اجتماعا
سريا يرأسه سي العربي بن مهيدي بحضور كل من فرطاس ، بصوف ، سايح ميسوم ، بعوش محمد
براق محمد ، بكاي عبد الله و مستغانمي أحمد. أخبرنا بوصول الأسلحة و الذخيرة في المستقبل القريب
و طلب منا أن نشرع في التحضير للعملية و التخطيط لها. كانت مهمتي تحضير العتاد اللازم المتكون
من أكياس الخيش و حبال وأحذية رياضية قماشية ، خزنتها بدكان والدي الذي كان تاجرا للقماش وذالك
لمغالطة العدو وضنه أن تلك اللوازم سلعة للمتاجرة ).
كانت نقطة انطلاقهم من قرية السفرة مرورا بواد الثلاثة ثم الصبابنة لانتظار الجماعة القادمة من الغزوات
و عند اللقاء توجه الجميع ناحية واد كيس ليلا للعبور وقطع الحدود الجزائرية المغربية في اتجاه قرية
أولاد بوعرفة ، ثم البقاء بها لمدة عشرة أيام مختبئين لا يظهرون إلا بالليل لاجتناب الضن و الشبهات
من طرف سكان المنطقة. كل الحمولة المستوردة حملت على ظهور الحمير و البغال رجوعا بها إلى مدينة
الغزوات، كانت المسالك صعبة جدا و بالخصوص عبور واد مولويا الذي يبلغ عرضه ستون مترا ثم
انتظار المساء ليستأنف السير نحو الغزوات. وعندما اقتربت الجماعة من الوصول انقسم الفوج إلى فوجين فمنهم من اتجه إلى قرية السفرة و منهم من اتجه إلى قرية الدراوش و أولاد علي حيث يلزمهم إثبات
حضورهم بالمنطقة كالمعتاد.
هكذا انتهت مهمة نقل الأسلحة و الذخيرة من مدينة الناضور المغربية إلى مدينة الغزوات الجزائرية
و بمساعدة بعض الأخوة المغاربة الأشقاء، لتبدأ مهمة أخرى تقوم بها جماعة أخرى، وهي توزيع السلاح.
نبذة تاريخية عن حياة العربي بن مهيدي الثورية
ولد العربي بن مهيدي في عام 1923 بدوار الكواهي بناحية عين مليلة التي كانت تابعة إقليميا لمحافظة قسنطينة وهو الإبن الثاني في ترتيب الأسرة التي تتكون من ثلاث بنات وولدين، دخل المدرسة الابتدائية الفرنسية بمسقط رأسه وبعد سنة دراسية واحدة إنتقل إلى باتنة لمواصلة التعليم الابتدائي ولما تحصل على الشهادة الإبتدائية عاد لأسرته التي إنتقلت هي الأخرى إلى مدينة بسكرة وفيها تابع محمد العربي دراسته وقبل في قسم الإعداد للإلتحاق بمدرسة قسنطينة. في عام 1939 إنضم لصفوف الكشافة الإسلامية ببسكرة.
في عام 1942 إنضم لصفوف حزب الشعب بمكان إقامته، حيث كان كثير الإهتمام بالشؤون السياسية والوطنية، في 08 ماي 1945 و كان من بين المعتقلين ثم أفرج عنه بعد ثلاثة أسابيع قضاها في الإستنطاق والتعذيب بمركز الشرطة. عام 1947 كان من بين الشباب الأوائل الذين إلتحقوا بصفوف المنظمة الخاصة حيث ما لبث أن أصبح من أبرز عناصر هذا التنظيم وفي عام 1949 أصبح مسؤول الجناح العسكري . عيّن في سنة 1953- 1954 مسؤول الدائرة الحزبية بوهران . وعند تكوين اللجنة الثورية للوحدة والعمل في مارس 1954 أصبح من بين عناصرها البارزين. عمل بالمنطقة الثانية (2) غزوات ناحية تلمسان الولاية الخامسة (5) بمساعدة بوصوف عبد الحفيظ و فرطاس محمد و بالتناسق مع مسؤول المنطقة الثانية آنذاك المدعو بن علة سي منصور و أعضاء قسمة مدينة الغزوات المتكونة من براق محمد مسؤول القسمة ،بعوش محمد المدعو سي الطاهر مسؤول منضمة القطاع المركزي، مستغانمي أحمد المدعو سي رشيد مسؤول منضمة القطاع الريفي، حمدون محمد مسؤول المنضمة السرية الجناح العسكري، سونه مصطفى مسؤول منضمة الطبقات الشعبية، طالب عبد الوهاب مسؤول الاتصال، شبان أعمر مسؤول المالية، بوحجر المدعو سي عثمان منسق مع مسؤولين الولاية الخامسة. و مسؤولين آخرين بالقطاع الريفي أمثال، بكاي عبد الله المدعو سي بن أحمد، سايح مسوم المدعو حنصالي، سايح سي صالح المدعو بوشاقور .
عين بعدها عضوا بلجنة التنسيق و التنفيذ للثورة الجزائرية (القيادة العليا للثورة) ، قاد معركة الجزائر بداية سنة 1956 و نهاية 1957. اعتقل نهاية شهر فيفري 1957 و استشهد تحت التعذيب ليلة الثالث إلى الرابع من مارس 1957.