قصة أصحاب الفيل
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ
يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ
كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
كان ملك الحبشة قد استولى على أرض اليمن, وولى عليها حاكماً من الأحباش
يقال له [أبرهة الأشرم], فأقام أبرهة الأشرم يحكم اليمن ويخضعها لسلطانه
بقوة جيشه.
وكان كثير من أهل اليمن إذا اقترب موسم الحج يخرجون إلى مكة ليحجوا إلى
الكعبة المشرفة, ويؤدوا المناسك حسب التقاليد التي تعارف عليها الناس في
الجاهلية.
ورأى أبرهة خروج قوافل الحجاج فسأل عن ذلك, فقيل له: إن للعرب بيتاً يعظمونه ويحجون إليه كل عام, وهو في مكة.
خطرت في ذهن أبرهة فكرة فعزم على تنفيذها, فقد أراد أن يبني كنيسة عظيمةً
في صنعاء, ويبالغ في بنائها وزخرفتها, ليصرف الناس عن الحج إلى الكعبة.
استشار أبرهة بعض المقربين إليه فوافقوه على فكرته, وعلى الفور شرع
باستقدام المهندسين والبنائين, وبدأ البناء, حتى كان بناء سامقاً قوياً
مزخرفاً جميلاً, وأطلق عليه أبرهة اسم [القُليس], وقد كلفه هذا البناء
مالاً كثيراً.
وكتب أبرهة إلى ملك الحبشة يخبره بما فعل.
ثم إن أبرهة أمر جنده وأعوانه أن يدعوا العرب إلى الحج إلى القليس بدلاً
من عناء السفر إلى الكعبة. لكن العرب حينما سمعوا ذلك استهزءوا بأبرهة
وبالقليس, فكيف يتركون بيت أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام, ليحجوا إلى
كنيسة أبرهة؟
وبلغ الأمر أن أحد هؤلاء العرب تسلل إلى القليس خفية فأحدث فيه, ولطخه
بالنجاسة, فلما بلغ الخبر أبرهة غضب غضباً شديداً, وأقسم أن يهدم الكعبة.
أصدر أبرهة أوامره إلى الجيش ليتجهز ويستعد للمسير إلى مكة, وأمر قادته أن
يجهزوا الفيلة بالإضافة إلى الخيل والجمال, فالفيل حيوان ضخم قوي, يمكن أن
يركبه عدد كبير من الجند, ويقاتلوا من فوقه بكفاءة وقوة.
وحين تم الاستعداد, تقدم أبرهة وأمر الجند أن يتبعوه, وفي المسير الطويل
باتجاه مكة المكرمة, كان جيش أبرهة كلما مر على قبيلة من قبائل العرب أغار
عليها, فنهب أموالها وأغنامها وإبلها لتكون زاداً لهم في طريقهم. وكانت
بعض القبائل قد سمعت بمسير أبرهة وجيشه فأخذت حذرها, وفرت من أماكنها,
وبعض هذه القبائل عرضوا على أبرهة وجيشه المساعدة والإمداد, رغبة منهم في
اتقاء شره
واصل أبرهة المسير بجيشه حتى بلغ منطقة قريبة من مكة, فأقام فيها, وأرسل
فرقة من جيشه فأغارت على الإبل والأغنام التي كانت ترعى بين الشعاب
والجبال, ورجعت بها غنيمة باردة إلى معسكر الجيش.
علم أهل مكة بالأمر, وتشاوروا فيما بينهم, ماذا يفعلون؟ لكنهم كانوا
عاجزين عن مقاومة جيش الأحباش, فهم لا يملكون جيشاً منظماً, وليسوا مدربين
التدريب الكافي, كما أن عددهم قليل بالقياس إلى جيش الأحباش, وزاد من
خوفهم ما سمعوه عن الفيلة التي تحمل الجنود.
كان العرب يراهنون على شيء واحد هو أن هذه الكعبة بناء مقدس, وله حرمته العظيمة, وأن العناية الإلهية ستتدخل في الوقت المناسب.
أرسل أبرهة إلى زعيم مكة (عبد المطلب بن هاشم) يدعوه للقائه, فجاء عبد
المطلب, وكان رجلاً مهيباً وقوراً, فلما رآه أبرهة أكرمه ونزل عن عرشه حتى
استقبله وجلس معه, وبدأ يسأله قائلاً: ما حاجتك؟
قال عبد المطلب: إن جندك أخذوا لي مائتي بعير, وأريد أن تردوها عليّ.
قال أبرهة: قد كنت عظمتك حين دخلتَ, ولكنني الآن زهدت فيك.
قال عبد المطلب: ولمَ أيها الملك؟
قال: لقد أتيتُ لأهدم هذا البيت الذي هو دينك ودين آبائك وأجدادك, وها أنت لا تكلمني فيه, وتكلمني في مائتي بعير؟
قال عبد المطلب: أما الإبل فأنا ربُها (أي صاحبها), وللبيت ربٌّ يحميه.
أمر أبرهة برد الإبل على عبد المطلب, فلما استرد إبله رجع إلى مكة, وأمر
أهلها أن يتفرقوا في الشعاب والجبال, ليأمنوا على أنفسهم مما قد يفعله جيش
الأحباش, ثم وقف عبد المطلب على باب الكعبة وأمسك بحلقته وأخذ يدعو قائلاً:
لاهُمّ إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالُهم غدواً محالك
إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمرٌ ما بدالك
وفي الصباح تهيأ أبرهة وجنده ليغيروا على مكة ويهدموا الكعبة, وبينما هم
كذلك إذ برك الفيل الأكبر على الأرض, وكانت بقية الفيلة لا تمشي إلا
وراءه, فحاول الجند أن ينهضوه ويوجهوه نحو مكة, لكنه أبى, فلما وجهوه نحو
اليمن قام يهرول, ثم وجهوه ثانية نحو مكة فبرك على الأرض. وانشغل الجند
بهذا الفيل, وفي أثناء ذلك أرسل الله سبحانه عليهم طيراً أبابيل, تأتي
مسرعة فتمر من فوقهم, ومعها حجارة صغيرة تلقيها عليهم, فكلما أصابت واحداً
منهم هلك وسقط على الأرض ميتاً, فلما رأى الجند ذلك ولّوا هاربين لا يلوون
على شيء, وظلت الطير تلاحقهم حتى قُتل كثير منهم, وأصيب أبرهة فالتف حوله
بعض الجنود, وحملوه على دابة, والألم يشتد عليه, فلما وصل إلى صنعاء مات.
وهكذا رجع جيش الأحباش خاسئاً ذليلاً مشرداً, بعد أن خسر قائده وأكثر
جنده, ورجع أهل مكة إلى كعبتهم يطوفون حولها بإجلالٍ وتعظيم, مستشعرين هذه
النعمة العظيمة, حيث رذ الله عنهم كيد هذا العدو الذي أراد هدم كعبتهم.
واتخذ العرب من ذلك العام تاريخاً يؤرخون به, لأن حادثة الفيل من أعظم وأعجب الحوادث التي رآها العرب في حياتهم.
وفي ذلك العظيم حدث ما هو أعظم وأعجب, لقد حدث شيء عظيم غيّر الدنيا
بأسرها, ذلك الحادث العجيب هو (مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الإسراء والمعراج
رحلة الإسراء والمعراج رحلة عظيمة عجيبة, ومعجزة من معجزات الرسول.
بعد أن رجع الرسول من الطائف, جاءه جبريل عليه السلام ليلاً, ومعه البراق,
(والبراق مخلوق أبيض طويل, وارتفاعه أعلى من الحمار وأدنى من البغل, لكنه
سريع سرعة عظيمة بحيث يضع حافره عند منتهى بصره, ويسبح في الفضاء.) وطلب
جبريل من الرسول أن يركب البراق, ثم انطلق به إلى بيت المقدس, وهناك ربط
البراق بحلقة ثم عرج مع جبريل إلى السماء.
فلما وصل جبريل ومعه الرسول إلى باب السماء الدنيا استفتح, فسأله أهلها:
من؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: هل صار رسولاً؟ قال:
نعم. ففتحوا لهما, وصعدا إلى السماء الثانية ثم الثالثة فالتي بعدها حتى
وصلا إلى السماء السابعة, وفي كل سماء يستفتح جبريل ويسأله أهلها, ثم تقدم
الرسول حتى وصل إلى سدرة المنتهى, وهناك رأى الرسول الجنة وما أعد الله
فيها من النعيم والمتع للمؤمنين, وكلمه الله تعالى, وشاهد كثيراً من
الآيات والعجائب التي تدل على قدرة الله تعالى وعظمته.
وقد أكرمه الله تعالى بهدية عظيمة هي الصلاة, حيث فرض عليه وعلى أمته
خمسين صلاة في كل يوم وليلة, فلما عاد الرسول لقي سيدنا موسى في السماء,
فسأله موسى: ماذا فرض الله على أمتك؟ فقال: فرض عليهم خمسين صلاة في اليوم
والليلة. قال: يا محمد, ارجع إلى ربك واسأله التخفيف. فرجع وسأل ربه
التخفيف, ثم مر بموسى فسأله فقال: خفف عنهم خمس صلوات. فقال: ارجع فاسأل
ربك التخفيف, فرجع وسأل التخفيف, وظل يتردد مرة بعد مرة حتى خُففت الصلوات
إلى خمس صلوات, فقال له الله عز وجل: قد أمضيتُ فريضتي وخففت على عبادي,
هي خمس صلوات في العمل وخمسون في الأجر. ثم رجع الرسول ومعه جبريل إلى
القدس, وهناك جمع الله له الأنبياء, فصلى بهم إماماً.
اللهم صلي على النبي المختار و على آله و اصحابة الأبرار
في الطائف
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الدعوة على الناس, وينذرهم ويحذرهم
عذاب الله تعالى, وكان يتعرض للقبائل التي تفد إلى مكة في موسم الحج
فيحدثهم عن الإسلام, ويدعوهم إليه, وكان عمه أبو لهب يتبعه ويقول للناس:
لا تصدقوه فإنه ابن أخي وأنا أعرف الناس به.
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الناس لا يستجيبون, وأن عدد الذين
اتبعوه ما زال قليلاً, قرر أن يذهب إلى مدينة الطائف التي تبعد عن مكة نحو
مئة كيلومتر, وتقع في منطقة جبلية مرتفعة إلى جنوب شرق مكة. وفيها قبيلة
ثقيف وغيرها من القبائل, راجياً أن يؤمن به أهلها ويصدقوه وينصروه حتى
يبلغ الإسلام وينشره.
اصطحب الرسول معه خادمه زيد بن حارثة, وسار إلى الطائف في شهر شوال من
السنة العاشرة من البعثة, فلما وصل دخل على زعمائها الثلاثة, وهم: عبد
ياليل وحبيب ومسعود بن عمرو ,وكانوا مجتمعين عند أحدهم, فقال لهم: أتيت
أعرض عليكم أمراً, فإن قبلتموه وإلا فاكتموا عني. قالوا: نعم
فدعاهم إلى الله, وأخبرهم أن الله تعالى أرسله بشيراً ونذيراً, فقال
أحدهم: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟ وقال الثاني: أُمزِّق ثياب الكعبة
إن كان الله قد أرسلك. وقال الثالث: إن كان كما تقول ما ينبغي لي أن أكلمك
إجلالاً لك, وإن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم من عندهم يريد الرجوع إلى مكة, لكن أهل الطائف لم
يتركوه بل أخذوا يضربونه بالحجارة ويسخرون منه, ويسيرون خلفه حتى لجأ إلى
بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة, وهما من قريش, فلما رأياه وما أصابه من أذى
أهل الطائف أرسلا خادماً لهما اسمه عدَّاس, وكان نصرانيا فقالا له: خذ
قطفاً من هذا العنب واذهب إلى ذلك الرجل, فلما أتاه به عدَّاس مدَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم يده إلى العنب وقال: بسم الله, فنظر عدَّاس في
وجهه وقال:
- إن هذا لشيء ما يقوله الناس اليوم!
- قال: ومن أنت؟
- قال: أنا رجل نصراني من أهل نينوى.
- قال: من قرية يونس بن متى؟
- قال: وما يدريك ما يونس بن متى؟
- قال: ذلك أخي كان نبياً من الأنبياء, وأنا نبي.
فجعل عدَّاس يقبل يديه ورجليه ويقول: قدوس, وأسلم عدَّاس.
فلما رجع عدَّاس إلى عتبة وشيبة سألاه عما قال له, فقال: لقد أخبرني عن
شيء ما يعلمه إلا نبي. فقالا: يا عدَّاس ويحك لا تُخدع عن دينك.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً من الطائف فمر بأرض يقال لها
(نخلة) وكان الوقت ليلاً, فقام يصلي ويقرأ القرآن, فمر به نفر من الجن
فاستمعوا له, فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة.
أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ
يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2)وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا
أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ
كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ (5)
كان ملك الحبشة قد استولى على أرض اليمن, وولى عليها حاكماً من الأحباش
يقال له [أبرهة الأشرم], فأقام أبرهة الأشرم يحكم اليمن ويخضعها لسلطانه
بقوة جيشه.
وكان كثير من أهل اليمن إذا اقترب موسم الحج يخرجون إلى مكة ليحجوا إلى
الكعبة المشرفة, ويؤدوا المناسك حسب التقاليد التي تعارف عليها الناس في
الجاهلية.
ورأى أبرهة خروج قوافل الحجاج فسأل عن ذلك, فقيل له: إن للعرب بيتاً يعظمونه ويحجون إليه كل عام, وهو في مكة.
خطرت في ذهن أبرهة فكرة فعزم على تنفيذها, فقد أراد أن يبني كنيسة عظيمةً
في صنعاء, ويبالغ في بنائها وزخرفتها, ليصرف الناس عن الحج إلى الكعبة.
استشار أبرهة بعض المقربين إليه فوافقوه على فكرته, وعلى الفور شرع
باستقدام المهندسين والبنائين, وبدأ البناء, حتى كان بناء سامقاً قوياً
مزخرفاً جميلاً, وأطلق عليه أبرهة اسم [القُليس], وقد كلفه هذا البناء
مالاً كثيراً.
وكتب أبرهة إلى ملك الحبشة يخبره بما فعل.
ثم إن أبرهة أمر جنده وأعوانه أن يدعوا العرب إلى الحج إلى القليس بدلاً
من عناء السفر إلى الكعبة. لكن العرب حينما سمعوا ذلك استهزءوا بأبرهة
وبالقليس, فكيف يتركون بيت أبيهم إبراهيم عليه الصلاة والسلام, ليحجوا إلى
كنيسة أبرهة؟
وبلغ الأمر أن أحد هؤلاء العرب تسلل إلى القليس خفية فأحدث فيه, ولطخه
بالنجاسة, فلما بلغ الخبر أبرهة غضب غضباً شديداً, وأقسم أن يهدم الكعبة.
أصدر أبرهة أوامره إلى الجيش ليتجهز ويستعد للمسير إلى مكة, وأمر قادته أن
يجهزوا الفيلة بالإضافة إلى الخيل والجمال, فالفيل حيوان ضخم قوي, يمكن أن
يركبه عدد كبير من الجند, ويقاتلوا من فوقه بكفاءة وقوة.
وحين تم الاستعداد, تقدم أبرهة وأمر الجند أن يتبعوه, وفي المسير الطويل
باتجاه مكة المكرمة, كان جيش أبرهة كلما مر على قبيلة من قبائل العرب أغار
عليها, فنهب أموالها وأغنامها وإبلها لتكون زاداً لهم في طريقهم. وكانت
بعض القبائل قد سمعت بمسير أبرهة وجيشه فأخذت حذرها, وفرت من أماكنها,
وبعض هذه القبائل عرضوا على أبرهة وجيشه المساعدة والإمداد, رغبة منهم في
اتقاء شره
واصل أبرهة المسير بجيشه حتى بلغ منطقة قريبة من مكة, فأقام فيها, وأرسل
فرقة من جيشه فأغارت على الإبل والأغنام التي كانت ترعى بين الشعاب
والجبال, ورجعت بها غنيمة باردة إلى معسكر الجيش.
علم أهل مكة بالأمر, وتشاوروا فيما بينهم, ماذا يفعلون؟ لكنهم كانوا
عاجزين عن مقاومة جيش الأحباش, فهم لا يملكون جيشاً منظماً, وليسوا مدربين
التدريب الكافي, كما أن عددهم قليل بالقياس إلى جيش الأحباش, وزاد من
خوفهم ما سمعوه عن الفيلة التي تحمل الجنود.
كان العرب يراهنون على شيء واحد هو أن هذه الكعبة بناء مقدس, وله حرمته العظيمة, وأن العناية الإلهية ستتدخل في الوقت المناسب.
أرسل أبرهة إلى زعيم مكة (عبد المطلب بن هاشم) يدعوه للقائه, فجاء عبد
المطلب, وكان رجلاً مهيباً وقوراً, فلما رآه أبرهة أكرمه ونزل عن عرشه حتى
استقبله وجلس معه, وبدأ يسأله قائلاً: ما حاجتك؟
قال عبد المطلب: إن جندك أخذوا لي مائتي بعير, وأريد أن تردوها عليّ.
قال أبرهة: قد كنت عظمتك حين دخلتَ, ولكنني الآن زهدت فيك.
قال عبد المطلب: ولمَ أيها الملك؟
قال: لقد أتيتُ لأهدم هذا البيت الذي هو دينك ودين آبائك وأجدادك, وها أنت لا تكلمني فيه, وتكلمني في مائتي بعير؟
قال عبد المطلب: أما الإبل فأنا ربُها (أي صاحبها), وللبيت ربٌّ يحميه.
أمر أبرهة برد الإبل على عبد المطلب, فلما استرد إبله رجع إلى مكة, وأمر
أهلها أن يتفرقوا في الشعاب والجبال, ليأمنوا على أنفسهم مما قد يفعله جيش
الأحباش, ثم وقف عبد المطلب على باب الكعبة وأمسك بحلقته وأخذ يدعو قائلاً:
لاهُمّ إن المرء يمنع رحله فامنع حلالك
لا يغلبن صليبهم ومحالُهم غدواً محالك
إن كنتَ تاركهم وقبلتنا فأمرٌ ما بدالك
وفي الصباح تهيأ أبرهة وجنده ليغيروا على مكة ويهدموا الكعبة, وبينما هم
كذلك إذ برك الفيل الأكبر على الأرض, وكانت بقية الفيلة لا تمشي إلا
وراءه, فحاول الجند أن ينهضوه ويوجهوه نحو مكة, لكنه أبى, فلما وجهوه نحو
اليمن قام يهرول, ثم وجهوه ثانية نحو مكة فبرك على الأرض. وانشغل الجند
بهذا الفيل, وفي أثناء ذلك أرسل الله سبحانه عليهم طيراً أبابيل, تأتي
مسرعة فتمر من فوقهم, ومعها حجارة صغيرة تلقيها عليهم, فكلما أصابت واحداً
منهم هلك وسقط على الأرض ميتاً, فلما رأى الجند ذلك ولّوا هاربين لا يلوون
على شيء, وظلت الطير تلاحقهم حتى قُتل كثير منهم, وأصيب أبرهة فالتف حوله
بعض الجنود, وحملوه على دابة, والألم يشتد عليه, فلما وصل إلى صنعاء مات.
وهكذا رجع جيش الأحباش خاسئاً ذليلاً مشرداً, بعد أن خسر قائده وأكثر
جنده, ورجع أهل مكة إلى كعبتهم يطوفون حولها بإجلالٍ وتعظيم, مستشعرين هذه
النعمة العظيمة, حيث رذ الله عنهم كيد هذا العدو الذي أراد هدم كعبتهم.
واتخذ العرب من ذلك العام تاريخاً يؤرخون به, لأن حادثة الفيل من أعظم وأعجب الحوادث التي رآها العرب في حياتهم.
وفي ذلك العظيم حدث ما هو أعظم وأعجب, لقد حدث شيء عظيم غيّر الدنيا
بأسرها, ذلك الحادث العجيب هو (مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم).
الإسراء والمعراج
رحلة الإسراء والمعراج رحلة عظيمة عجيبة, ومعجزة من معجزات الرسول.
بعد أن رجع الرسول من الطائف, جاءه جبريل عليه السلام ليلاً, ومعه البراق,
(والبراق مخلوق أبيض طويل, وارتفاعه أعلى من الحمار وأدنى من البغل, لكنه
سريع سرعة عظيمة بحيث يضع حافره عند منتهى بصره, ويسبح في الفضاء.) وطلب
جبريل من الرسول أن يركب البراق, ثم انطلق به إلى بيت المقدس, وهناك ربط
البراق بحلقة ثم عرج مع جبريل إلى السماء.
فلما وصل جبريل ومعه الرسول إلى باب السماء الدنيا استفتح, فسأله أهلها:
من؟ قال: جبريل. قالوا: ومن معك؟ قال: محمد. قالوا: هل صار رسولاً؟ قال:
نعم. ففتحوا لهما, وصعدا إلى السماء الثانية ثم الثالثة فالتي بعدها حتى
وصلا إلى السماء السابعة, وفي كل سماء يستفتح جبريل ويسأله أهلها, ثم تقدم
الرسول حتى وصل إلى سدرة المنتهى, وهناك رأى الرسول الجنة وما أعد الله
فيها من النعيم والمتع للمؤمنين, وكلمه الله تعالى, وشاهد كثيراً من
الآيات والعجائب التي تدل على قدرة الله تعالى وعظمته.
وقد أكرمه الله تعالى بهدية عظيمة هي الصلاة, حيث فرض عليه وعلى أمته
خمسين صلاة في كل يوم وليلة, فلما عاد الرسول لقي سيدنا موسى في السماء,
فسأله موسى: ماذا فرض الله على أمتك؟ فقال: فرض عليهم خمسين صلاة في اليوم
والليلة. قال: يا محمد, ارجع إلى ربك واسأله التخفيف. فرجع وسأل ربه
التخفيف, ثم مر بموسى فسأله فقال: خفف عنهم خمس صلوات. فقال: ارجع فاسأل
ربك التخفيف, فرجع وسأل التخفيف, وظل يتردد مرة بعد مرة حتى خُففت الصلوات
إلى خمس صلوات, فقال له الله عز وجل: قد أمضيتُ فريضتي وخففت على عبادي,
هي خمس صلوات في العمل وخمسون في الأجر. ثم رجع الرسول ومعه جبريل إلى
القدس, وهناك جمع الله له الأنبياء, فصلى بهم إماماً.
اللهم صلي على النبي المختار و على آله و اصحابة الأبرار
في الطائف
كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض الدعوة على الناس, وينذرهم ويحذرهم
عذاب الله تعالى, وكان يتعرض للقبائل التي تفد إلى مكة في موسم الحج
فيحدثهم عن الإسلام, ويدعوهم إليه, وكان عمه أبو لهب يتبعه ويقول للناس:
لا تصدقوه فإنه ابن أخي وأنا أعرف الناس به.
ولما رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الناس لا يستجيبون, وأن عدد الذين
اتبعوه ما زال قليلاً, قرر أن يذهب إلى مدينة الطائف التي تبعد عن مكة نحو
مئة كيلومتر, وتقع في منطقة جبلية مرتفعة إلى جنوب شرق مكة. وفيها قبيلة
ثقيف وغيرها من القبائل, راجياً أن يؤمن به أهلها ويصدقوه وينصروه حتى
يبلغ الإسلام وينشره.
اصطحب الرسول معه خادمه زيد بن حارثة, وسار إلى الطائف في شهر شوال من
السنة العاشرة من البعثة, فلما وصل دخل على زعمائها الثلاثة, وهم: عبد
ياليل وحبيب ومسعود بن عمرو ,وكانوا مجتمعين عند أحدهم, فقال لهم: أتيت
أعرض عليكم أمراً, فإن قبلتموه وإلا فاكتموا عني. قالوا: نعم
فدعاهم إلى الله, وأخبرهم أن الله تعالى أرسله بشيراً ونذيراً, فقال
أحدهم: أما وجد الله أحداً يرسله غيرك؟ وقال الثاني: أُمزِّق ثياب الكعبة
إن كان الله قد أرسلك. وقال الثالث: إن كان كما تقول ما ينبغي لي أن أكلمك
إجلالاً لك, وإن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك. فقام رسول الله
صلى الله عليه وسلم من عندهم يريد الرجوع إلى مكة, لكن أهل الطائف لم
يتركوه بل أخذوا يضربونه بالحجارة ويسخرون منه, ويسيرون خلفه حتى لجأ إلى
بستان لعتبة وشيبة ابني ربيعة, وهما من قريش, فلما رأياه وما أصابه من أذى
أهل الطائف أرسلا خادماً لهما اسمه عدَّاس, وكان نصرانيا فقالا له: خذ
قطفاً من هذا العنب واذهب إلى ذلك الرجل, فلما أتاه به عدَّاس مدَّ رسول
الله صلى الله عليه وسلم يده إلى العنب وقال: بسم الله, فنظر عدَّاس في
وجهه وقال:
- إن هذا لشيء ما يقوله الناس اليوم!
- قال: ومن أنت؟
- قال: أنا رجل نصراني من أهل نينوى.
- قال: من قرية يونس بن متى؟
- قال: وما يدريك ما يونس بن متى؟
- قال: ذلك أخي كان نبياً من الأنبياء, وأنا نبي.
فجعل عدَّاس يقبل يديه ورجليه ويقول: قدوس, وأسلم عدَّاس.
فلما رجع عدَّاس إلى عتبة وشيبة سألاه عما قال له, فقال: لقد أخبرني عن
شيء ما يعلمه إلا نبي. فقالا: يا عدَّاس ويحك لا تُخدع عن دينك.
ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائداً من الطائف فمر بأرض يقال لها
(نخلة) وكان الوقت ليلاً, فقام يصلي ويقرأ القرآن, فمر به نفر من الجن
فاستمعوا له, فلما فرغ من صلاته ولوا إلى قومهم منذرين.
ثم عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة.