مذكرة حول نشيد < من جبالنا >... جديد
من جبالنا طلع صوت الأحرار*** ينادينا للاستقلال
ينادينا للاستقلال *** لاستقلال وطنينا
تضحيتنا للوطن *** خير من الحياة
أضحى بحياتي *** وبمالي عليه
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
قد سلا الدنيا فؤادي *** وتفانى في هواك
كل شيء فيك ينمو *** حبه مثل النبات
يا ترى يأتيك يوم *** تزدهر فيه الحياة
نحن بالأنفس نفدي *** كل جزء من ثراك
إننا أشبال أسد *** فاصرفينا لعداك
لك في التاريخ ركن *** مشرق فوق السماء
لك في المنظر حسن *** ظل يغري ببهاك
نحن سور بك دائر *** وجبال راسيات
نحن أبناء الجزائر*** أهل عزم وثبات
لتحميل النشيد مسموعا
نشيد من جبالنا.zip
يوم 20 ديسمبر 1942 أي 6 أسابيع بعد نزول قوات الحلفاء ارض الجزائر في مرحلة حاسمة لدحر قوات المحور < الألمان و الطليان > أثناء الحرب العالمية الثانية انعقد لقاء بين شخصيات سياسية جزائرية مختلفة المشارب و التوجهات في مطعم فخم موجود بالقرب من مقر ولاية قسنطينة.
تضاربت الآراء حول من أوعز بهذا اللقاء . هل هي السلطات الجديدة التي بسطت نفوذها على اكبر جزء من شمال إفريقيا و اقصد الأمريكان بالخصوص؟ أم بعض المسؤولين الفرنسيين الذين يريدون احتواء الوضع الجديد إنقاذا لما يمكن إنقاذه؟ أم القضية هي مجرد مبادرة من السيد فرحات عباس حسبما تؤكده بعض المصادر؟
المهم الذين حضروا اللقاء كانوا يمثلون تيارات و أحزابا مختلفة نذكرهم فيما يلي:
- الراحل فرحات عباس – عن حزب النواب
- السيد عبد الله فيلالي – عن حزب الشعب الجزائري
- الدكتور محمد الشريف سعدان – عن النواب
- الدكتور محمد الصالح بن جلول – عن النواب أيضا
- السيد بن باحمد – عن الحزب الاشتراكي SFIO
- السيد يونس كش – عن الحزب الشيوعي الجزائري
- السيد رابح زناتي – مدير جريدة صوت الأهالي La voix indigène و هو متزعم الحركة الداعين إلى الحصول على الحقوق عن طريق التجنس.
- السيد احمد بوشمال – احد أعيان مدينة قسنطينة من أنصار جمعية العلماء
- السيد محمد الصالح رمضان – مرشد بالكشافة الإسلامية الجزائرية و مدرس بمدرسة التربية و التعليم
- السيد حسن بالكيرد – قائد كشفي بسطيف و قد جاء برفقة الفقيد فرحات عباس
- السيد مامي إسماعيل – عن يومية " النجاح "
وقف الراحل فرحات عباس يلقي على الحاضرين ما عنوانه
بيان الشعب الجزائري < Le Manifeste du Peuple Algérien >
و فور انتهائه من التلاوة طلب من الحاضرين رأيهم في البرنامج السياسي الذي تضمنه البيان. و كان يتوجه لهم فردا فردا ابتداء من اليمين إلى الشمال و كان جواب كل واحد منهم انه لا بد من الرجوع إلى حزبه أو إلى كتلته قبل الإفصاح عن أي رأي . و لما وصل إلى الدكتور سعدان أجاب هذا الأخير فورا بحماس انه يتبنى البرنامج الذي في البيان كاملا و قال له أنا معك! فتأثر فرحات عباس كثيرا و انتقل من مكانه نحو سعدان فقبله على جبينه شاكرا قائلا له : " يكفيني رجل مثلك ليجنبني الخطأ".
بعد ذلك طلب فرحات عباس من الحاضرين الاستماع إلى القائد الكشاف حسن بالكيرد الذي سيلقى على مسامعهم نشيدا جديدا يكون مسك الختام . فانشد الفقيد بالكيرد بإيمان و حماس " من جبالنا طلع صوت الأحرار " الذي سمعه الحاضرون يومها لأول مرة.
و دخل هذا النشيد التاريخ من أوسع أبوابه ابتداء من الملتقى الكشفي الوطني المنعقد خلال شهر أوت من عام 1944 حيث التام شمل 500 <خمسمائة > مرشد و جوال في المكان المسمى "عيون الحجل" بالقرب من ضريح المرابطة < لالا ستي > الموجود على مشارف مدينة تلمسان .
ملاحظات حول النص الادبي :
في عام 1943 برز تيار " أحباب البيان و الحرية" <AML> <Les Amis du Manifeste et de la Liberté > الذي وحد الصفوف و نجح في لم شمل التيارات المختلفة و انتشر نشيد " من جبالنا " فحرك الجماهير كما تحرك الريح أوراق الشجر واجتهد عدد من المناضلين في إضافة أبيات جديدة على نفس الوزن و اللحن و لكن بلغة شعبية مهذبة غايتها تمجيد القياديين أو تأكيد الانتماء الحضاري.
و هكذا سمعنا مقطعا جديدا يقول :
أتته رسائل *** من بغداد إلى فاس
وقامت الجزائر *** بمصالي و عباس
و ما أن انتشرت هذه الفقرة حتى تم تحويرها في بعض المدن الأمصار كما يلي :
و قامت الجزائر *** بمصالي خير الناس
إذ حذف بعض المنشدين اسم فرحات عباس مما يدل على أن تيار " أحباب البيان و الحرية " العتيد المتماسك ظاهريا يحمل بين طياته في الواقع صراعات باطنية عميقة.
هل هم بعض المتعصبين لشخص مصالي الحاج الذين يرون في زعيمهم النموذج الأمثل للوطنية ؟ أم هم الذين لم يغفروا لفرحات عباس قوله قبل الأربعينيات بأنه " لم يعثر على الأمة الجزائرية رغم بحثه عنها حتى في القبور ..." ؟
أما الفقرة الأخرى التي أضيفت فتقول:
لا نشارك أوروبا *** و لا نرضى بالتجنيس
نحن أبناء العروبة *** كما قال ابن باديس
الخلاصة أن الإضافات كلها لم تقو على مواكبة الزمن فالزعماء الذين كانوا محل تمجيد إلى درجة التقديس أصبحوا تحت مجهر التاريخ و الباحثين في سبر أغواره لكن نشيد " من جبالنا " بقي رائعا خالدا يقطع الفيافي و الوديان من قرية إلى مدينة بكل سهولة و يقفز على الشهور و الأعوام بدون تجعيدة واحدة.
بقيت معلومة مهمة كان من المفروض أن نبدأ بها لا أن نختم بها و هي أن نص اللازمة الذي يبدأ بعبارة " من جبالنا طلع صوت الأحرار " و ينتهي بعبارة:
أضحي بحياتي *** و بمالي عليه
هي فقرة أولى من قصيد بالشعر الملحون يؤكد الإطار الكشفي السطايفي محمد الهادي شريف المعروف باسم محمد جنادي < انظر النص مرفقا بخط صاحبه > و ليس من نظم حسن بالكيرد حسبما يقره جميع قدماء الكشافة بسطيف.
كما يجد القاريء مرفقا نص رسالة بعث بها السيد شريف إلى الشيخ محمد الصالح رمضان يصحح ما جاء بتوقيعه في عدد 88 من مجلة الثقافة ص 223 الصادرة عن شهري يوليو و أغسطس 1985 و المقال بعنوان : نشيد من جبالنا , لمن هو ؟ و ما قصته ؟
و قد نفى فيه نسبة النشيد إلى مفدي زكرياء كما نسب أبياته الفصيحة إلى محمد العيد و الشعر الملحون لحسن بلكيرد و كشافة قسنطينة و قد سارعت فور حصولي على تلفون السيد محمد الهادي شريف إلى الاتصال به في منزله بسطيف كي أتحقق منه و تم لي ذلك عشية الأربعاء 24 ديسمبر 1997 . و كم كانت فرحتي كبيرة و أنا اسمع صوته صافيا راسخا رغم تقدمه في السن . لقد عزز لي القائد الكشفي و أكد ما جاء في رسالته للشيخ محمد الصالح رمضان غير انه نبه إلى أن العمل الكشفي عمل جماعي في الأساس لذا كما قال لي انه لم يجد أي مانع في أن يقتبس القائد حسن بالكيرد مطلع النشيد و الاكتفاء به و إلحاقه بنص بالفصحى و إدماجهما و إلباس الكل بموسيقى أجنبية على شكل " مارش عسكرية " كان قد اختارها سي محمد جنادي حسب شهادته الخطية المرفقة.
و اخبرني السيد محمد الهادي شريف < محمد جنادي > بان نشيد " من جبالنا " تم نظمه في مستهل عام 1942 و تم التدرب عليه في مقر كشافة " فوج الحياة " الذي كان في شارع معروف باسم " زقاق التمارة " في سطيف و كان الفريق الموسيقي المرافق للمنشدين عبارة عن نافخ على آلة بوق < CLAIRON > و قارع على طبل < TAMBOUR > .
و تم إنشاد " من جبالنا " لأول مرة في التاريخ أثناء حفل بهيج بالمسرح البلدي بمدينة سطيف من طرف عناصر الكشافة كشافة " الحياة " ليلة المولد من عام 1361 هـ الموافق ليوم السبت 28 مارس 1942م مساء.
أما اللحن فقد قال عنه انه نشيد :< Le régiment de Sambre et Meuse > , و قال الشيخ محمد الصالح رمضان انه نشيد الكتيبة السابعة للرماة الجزائريين < L'Hymne du 7e Régiment des Tirailleurs Algériens > , و أكد مصدر ثالث انه بالضبط لحن < La Marche des Chasseurs Alpins >.
لم اعثر لحد الساعة على النصين الموسيقيين الثاني و الثالث أما النص الأول فهو معروف و مشهور و لا صلة بينه و بين نغمة نشيد من جبالنا باستثناء جملة موسيقية واحد تطابق تماما البيت الأول من النشيد.
هذا من جهة و من جهة أخرى يمكن الجزم بان شاعر الثورة الفحل الفقيد مفدي زكرياء لم تكن له أي يد في هذا القصيد رغم ما عزاه الأديب المؤرخ زميلنا الأستاذ مولود قاسم من أن النشيد " من جبالنا " هو من نظم صديقه الأعز مفدي زكرياء لاقتناع الأخ سي مولود بان نشيدا قادرا على تعبئة الجماهير و تجنيدها لا يمكن إلا أن يكون من إنجاز شاعر الوطنية الأول مفدي زكرياء.
لكن الواقع غير ذلك رغم مكانة الشخصيتين ثقافة و نضالا. و ما يدفع على الاستغراب في هذا الصدد هو أن الأخ مولود قاسم رحمه الله يؤكد في تقديمه للطبعة الثانية من ديوان " اللهب المقدس " لمفدي زكرياء ما كتبه قبل ذلك في مقدمته للإلياذة من أن نشيد " من جبالنا " هو لصديقه شاعر الثورة في حين أن الديوان محل التقديم سواء في طبعته الأولى في بيروت عام 1961 أو في الثانية بالجزائر التي اشتملت على كل ما أنتجه الشاعر مفدي زكرياء من فصيح و ملحون لا اثر فيه لنشيد " من جبالنا "
انظر كذلك بهذا الصدد كتاب الدكتور عبد الله ركيبي : دراسات في الشعر الجزائري الحديث تقديم صالح جودت نشر و طبع الدار القومية للطباعة و النشر < مصر > في سلسلة كتب ثقافية العدد 178 سنة 1961 ص 55.
راجع في هذا الصدد أيضا العدد الأول من جريدة المرصاد الصادرة بتاريخ 17 ديسمبر 1931 لصاحبها محمد عبابسة الاخضري الملقب بـ: "شاعر الاعراش " و هو والد المطرب و شاعر الملحون المعروف الشيخ عبد الحميد عبابسة.
جاء في جريدة المرصاد بالتاريخ المذكور أعلاه ما يلي :
أن تلامذة مدرسة الشبيبة بالعاصمة قد انشدوا نشيد :
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
للشاعر محمد العيد ال خليفة و بحضوره في حفلة افتتاح مدرسة الإصلاح بمدينة " دلس " التي كان يديرها و يعلم فيها الأستاذ حمزة بوكوشة.
أما الجزء الفصيح من النشيد و الذي يبدأ بعبارة:
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
قد سلا الدنيا فؤادي *** و تفانى في هواك
قد نظمه الشيخ محمد العيد آل خليفة عام 1931 و جاءت الإشارة إليه أيضا في مجلة " الشهاب " في وصف وقائع الحفل الشتوي بمدرسة الشبيبة و التي كان يديرها الشيخ محمد العيد آل خليفة. < انظر وصف الحفل في الجزء الثالث المجلد السابع من مجلة " الشهاب " ص 193 عدد مارس 1931.
و قد أبرزت المجلة صدر القصيد و هو عبارة على البيتين المذكورين أنفا. و قد لقنه لتلامذة " مدرسة الشبيبة " أستاذ جزائري قدم من الشام اسمه محمود لكحل و كان نغم النشيد لحنا تركيا قديما اعتاد المناضلون المسجونون في الشام ترديده على أبيات من نظم الشاعر المناضل فخري البارودي يقول مطلعه:
يا ظلام السجن خيم *** إننا نهوى الظلاما
وطني روحي فداء *** لك من كل ظلامة
تسهيلا لدارسي الموسيقى نضع أمامهم النوتة الموسيقية للحن القديم الذي لقنه الأستاذ محمود لكحل للتلاميذ و الذي أكد لنا لحنه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي أطال الله عمره و الذي كان هو الأخر أستاذا في مدرسة الشبيبة إلى جانب عدد من المدرسين المربين و من بينهم أمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة.
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما0000.jpg المشاهدات: 19 الحجـــم: 57.2 كيلوبايت الرقم: 40791
ها هي إذن النوتة الموسيقية للحن الذي كان متداولا في الثلاثينيات قبل أن يفرض الزمان اللحن الذي اختاره حسن بالكيرد في الابعينيات و الذي نميل إلى الاعتقاد بان نبعه الأصلي كلاسيكي إيطالي اقتبس منه الفرنسيون لحنهم الذي اعتمده و طوره و صقله القائد الكشفي الموهوب حسن بالكيرد. الذي عرف بإنتاجه الفكري و إبداعه الفني من أناشيد و مسرحيات < انظر سيرته الذاتية>.
و قد وردني من قدماء كشافة سطيف العديد من المطبوعات من بينها قائمة بالصور لرواد الحركة الكشفية بسطيف فلم أجد أثرا لذكر الأخ محمد جنادي و لما سالت مستغربا قيل لي إن هذا كان موجود ضمن الجماعة لكنه لم يتول أي منصب قيادي في " فوج الحياة " و أن لا إنتاج له إطلاقا سوى ما شهده بنفسه على نفسه.
و قد وصلني فاكس من هيئة قدماء الكشافة بسطيف يضم 11 ملاحظة و تصحيحا لما ورد في كتاب " أناشيد للوطن " <*>
الفضل إذن يعود للقائد الكشفي بالكيرد المشهور بحيويته و نشاطه الدءوب و تنشيطه المتميز. في التعريف بالنشيد و انتشاره جماهيريا و قد اثبت في دمجه الملحون بالفصيح و استغلاله الأمثل للنص الجديد مع الموسيقى المناسبة و التي جعلت نشيد " من جبالنا " يتخطى المكان و الزمان. مع تحية عرفان للأخ محمد جنادي أطال الله عمره.
لقد تم اختيار نشيد " من جبالنا " ليكون نشيد أتباع حزب البيان مثلما كان فداء الجزائر النشيد المميز لمناضلي حزب الشعب الجزائري و نشيد شعب الجزائر مسلم نشيد للإصلاحيين.
غير أن الكشافة الإسلامية الجزائرية الملتزمة دائما و أبدا بالخط الوطني و التي تتكون من خيرة شباب الجزائر و أشبالها ذكورا و إناثا كانت و ما تزال تتغنى بجميع هذه الأناشيد دون تمييز معتبرة إياها منهلا صافيا لحب الوطن و الذود عن حياضه و الكد من اجل ازدهاره.
المصدر :-كتاب أناشيد للوطن – إعداد و تقديم الأمين بشيشي – طبعة ثانية منقحة و مزيدة 2007
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3636.jpg المشاهدات: 16 الحجـــم: 161.0 كيلوبايت الرقم: 40794
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3737.jpg المشاهدات: 16 الحجـــم: 176.6 كيلوبايت الرقم: 40795
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3838.jpg المشاهدات: 17 الحجـــم: 140.2 كيلوبايت الرقم: 40796
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3535.jpg المشاهدات: 15 الحجـــم: 203.5 كيلوبايت الرقم: 40793
من جبالنا طلع صوت الأحرار*** ينادينا للاستقلال
ينادينا للاستقلال *** لاستقلال وطنينا
تضحيتنا للوطن *** خير من الحياة
أضحى بحياتي *** وبمالي عليه
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
قد سلا الدنيا فؤادي *** وتفانى في هواك
كل شيء فيك ينمو *** حبه مثل النبات
يا ترى يأتيك يوم *** تزدهر فيه الحياة
نحن بالأنفس نفدي *** كل جزء من ثراك
إننا أشبال أسد *** فاصرفينا لعداك
لك في التاريخ ركن *** مشرق فوق السماء
لك في المنظر حسن *** ظل يغري ببهاك
نحن سور بك دائر *** وجبال راسيات
نحن أبناء الجزائر*** أهل عزم وثبات
لتحميل النشيد مسموعا
نشيد من جبالنا.zip
يوم 20 ديسمبر 1942 أي 6 أسابيع بعد نزول قوات الحلفاء ارض الجزائر في مرحلة حاسمة لدحر قوات المحور < الألمان و الطليان > أثناء الحرب العالمية الثانية انعقد لقاء بين شخصيات سياسية جزائرية مختلفة المشارب و التوجهات في مطعم فخم موجود بالقرب من مقر ولاية قسنطينة.
تضاربت الآراء حول من أوعز بهذا اللقاء . هل هي السلطات الجديدة التي بسطت نفوذها على اكبر جزء من شمال إفريقيا و اقصد الأمريكان بالخصوص؟ أم بعض المسؤولين الفرنسيين الذين يريدون احتواء الوضع الجديد إنقاذا لما يمكن إنقاذه؟ أم القضية هي مجرد مبادرة من السيد فرحات عباس حسبما تؤكده بعض المصادر؟
المهم الذين حضروا اللقاء كانوا يمثلون تيارات و أحزابا مختلفة نذكرهم فيما يلي:
- الراحل فرحات عباس – عن حزب النواب
- السيد عبد الله فيلالي – عن حزب الشعب الجزائري
- الدكتور محمد الشريف سعدان – عن النواب
- الدكتور محمد الصالح بن جلول – عن النواب أيضا
- السيد بن باحمد – عن الحزب الاشتراكي SFIO
- السيد يونس كش – عن الحزب الشيوعي الجزائري
- السيد رابح زناتي – مدير جريدة صوت الأهالي La voix indigène و هو متزعم الحركة الداعين إلى الحصول على الحقوق عن طريق التجنس.
- السيد احمد بوشمال – احد أعيان مدينة قسنطينة من أنصار جمعية العلماء
- السيد محمد الصالح رمضان – مرشد بالكشافة الإسلامية الجزائرية و مدرس بمدرسة التربية و التعليم
- السيد حسن بالكيرد – قائد كشفي بسطيف و قد جاء برفقة الفقيد فرحات عباس
- السيد مامي إسماعيل – عن يومية " النجاح "
وقف الراحل فرحات عباس يلقي على الحاضرين ما عنوانه
بيان الشعب الجزائري < Le Manifeste du Peuple Algérien >
و فور انتهائه من التلاوة طلب من الحاضرين رأيهم في البرنامج السياسي الذي تضمنه البيان. و كان يتوجه لهم فردا فردا ابتداء من اليمين إلى الشمال و كان جواب كل واحد منهم انه لا بد من الرجوع إلى حزبه أو إلى كتلته قبل الإفصاح عن أي رأي . و لما وصل إلى الدكتور سعدان أجاب هذا الأخير فورا بحماس انه يتبنى البرنامج الذي في البيان كاملا و قال له أنا معك! فتأثر فرحات عباس كثيرا و انتقل من مكانه نحو سعدان فقبله على جبينه شاكرا قائلا له : " يكفيني رجل مثلك ليجنبني الخطأ".
بعد ذلك طلب فرحات عباس من الحاضرين الاستماع إلى القائد الكشاف حسن بالكيرد الذي سيلقى على مسامعهم نشيدا جديدا يكون مسك الختام . فانشد الفقيد بالكيرد بإيمان و حماس " من جبالنا طلع صوت الأحرار " الذي سمعه الحاضرون يومها لأول مرة.
و دخل هذا النشيد التاريخ من أوسع أبوابه ابتداء من الملتقى الكشفي الوطني المنعقد خلال شهر أوت من عام 1944 حيث التام شمل 500 <خمسمائة > مرشد و جوال في المكان المسمى "عيون الحجل" بالقرب من ضريح المرابطة < لالا ستي > الموجود على مشارف مدينة تلمسان .
ملاحظات حول النص الادبي :
في عام 1943 برز تيار " أحباب البيان و الحرية" <AML> <Les Amis du Manifeste et de la Liberté > الذي وحد الصفوف و نجح في لم شمل التيارات المختلفة و انتشر نشيد " من جبالنا " فحرك الجماهير كما تحرك الريح أوراق الشجر واجتهد عدد من المناضلين في إضافة أبيات جديدة على نفس الوزن و اللحن و لكن بلغة شعبية مهذبة غايتها تمجيد القياديين أو تأكيد الانتماء الحضاري.
و هكذا سمعنا مقطعا جديدا يقول :
أتته رسائل *** من بغداد إلى فاس
وقامت الجزائر *** بمصالي و عباس
و ما أن انتشرت هذه الفقرة حتى تم تحويرها في بعض المدن الأمصار كما يلي :
و قامت الجزائر *** بمصالي خير الناس
إذ حذف بعض المنشدين اسم فرحات عباس مما يدل على أن تيار " أحباب البيان و الحرية " العتيد المتماسك ظاهريا يحمل بين طياته في الواقع صراعات باطنية عميقة.
هل هم بعض المتعصبين لشخص مصالي الحاج الذين يرون في زعيمهم النموذج الأمثل للوطنية ؟ أم هم الذين لم يغفروا لفرحات عباس قوله قبل الأربعينيات بأنه " لم يعثر على الأمة الجزائرية رغم بحثه عنها حتى في القبور ..." ؟
أما الفقرة الأخرى التي أضيفت فتقول:
لا نشارك أوروبا *** و لا نرضى بالتجنيس
نحن أبناء العروبة *** كما قال ابن باديس
الخلاصة أن الإضافات كلها لم تقو على مواكبة الزمن فالزعماء الذين كانوا محل تمجيد إلى درجة التقديس أصبحوا تحت مجهر التاريخ و الباحثين في سبر أغواره لكن نشيد " من جبالنا " بقي رائعا خالدا يقطع الفيافي و الوديان من قرية إلى مدينة بكل سهولة و يقفز على الشهور و الأعوام بدون تجعيدة واحدة.
بقيت معلومة مهمة كان من المفروض أن نبدأ بها لا أن نختم بها و هي أن نص اللازمة الذي يبدأ بعبارة " من جبالنا طلع صوت الأحرار " و ينتهي بعبارة:
أضحي بحياتي *** و بمالي عليه
هي فقرة أولى من قصيد بالشعر الملحون يؤكد الإطار الكشفي السطايفي محمد الهادي شريف المعروف باسم محمد جنادي < انظر النص مرفقا بخط صاحبه > و ليس من نظم حسن بالكيرد حسبما يقره جميع قدماء الكشافة بسطيف.
كما يجد القاريء مرفقا نص رسالة بعث بها السيد شريف إلى الشيخ محمد الصالح رمضان يصحح ما جاء بتوقيعه في عدد 88 من مجلة الثقافة ص 223 الصادرة عن شهري يوليو و أغسطس 1985 و المقال بعنوان : نشيد من جبالنا , لمن هو ؟ و ما قصته ؟
و قد نفى فيه نسبة النشيد إلى مفدي زكرياء كما نسب أبياته الفصيحة إلى محمد العيد و الشعر الملحون لحسن بلكيرد و كشافة قسنطينة و قد سارعت فور حصولي على تلفون السيد محمد الهادي شريف إلى الاتصال به في منزله بسطيف كي أتحقق منه و تم لي ذلك عشية الأربعاء 24 ديسمبر 1997 . و كم كانت فرحتي كبيرة و أنا اسمع صوته صافيا راسخا رغم تقدمه في السن . لقد عزز لي القائد الكشفي و أكد ما جاء في رسالته للشيخ محمد الصالح رمضان غير انه نبه إلى أن العمل الكشفي عمل جماعي في الأساس لذا كما قال لي انه لم يجد أي مانع في أن يقتبس القائد حسن بالكيرد مطلع النشيد و الاكتفاء به و إلحاقه بنص بالفصحى و إدماجهما و إلباس الكل بموسيقى أجنبية على شكل " مارش عسكرية " كان قد اختارها سي محمد جنادي حسب شهادته الخطية المرفقة.
و اخبرني السيد محمد الهادي شريف < محمد جنادي > بان نشيد " من جبالنا " تم نظمه في مستهل عام 1942 و تم التدرب عليه في مقر كشافة " فوج الحياة " الذي كان في شارع معروف باسم " زقاق التمارة " في سطيف و كان الفريق الموسيقي المرافق للمنشدين عبارة عن نافخ على آلة بوق < CLAIRON > و قارع على طبل < TAMBOUR > .
و تم إنشاد " من جبالنا " لأول مرة في التاريخ أثناء حفل بهيج بالمسرح البلدي بمدينة سطيف من طرف عناصر الكشافة كشافة " الحياة " ليلة المولد من عام 1361 هـ الموافق ليوم السبت 28 مارس 1942م مساء.
أما اللحن فقد قال عنه انه نشيد :< Le régiment de Sambre et Meuse > , و قال الشيخ محمد الصالح رمضان انه نشيد الكتيبة السابعة للرماة الجزائريين < L'Hymne du 7e Régiment des Tirailleurs Algériens > , و أكد مصدر ثالث انه بالضبط لحن < La Marche des Chasseurs Alpins >.
لم اعثر لحد الساعة على النصين الموسيقيين الثاني و الثالث أما النص الأول فهو معروف و مشهور و لا صلة بينه و بين نغمة نشيد من جبالنا باستثناء جملة موسيقية واحد تطابق تماما البيت الأول من النشيد.
هذا من جهة و من جهة أخرى يمكن الجزم بان شاعر الثورة الفحل الفقيد مفدي زكرياء لم تكن له أي يد في هذا القصيد رغم ما عزاه الأديب المؤرخ زميلنا الأستاذ مولود قاسم من أن النشيد " من جبالنا " هو من نظم صديقه الأعز مفدي زكرياء لاقتناع الأخ سي مولود بان نشيدا قادرا على تعبئة الجماهير و تجنيدها لا يمكن إلا أن يكون من إنجاز شاعر الوطنية الأول مفدي زكرياء.
لكن الواقع غير ذلك رغم مكانة الشخصيتين ثقافة و نضالا. و ما يدفع على الاستغراب في هذا الصدد هو أن الأخ مولود قاسم رحمه الله يؤكد في تقديمه للطبعة الثانية من ديوان " اللهب المقدس " لمفدي زكرياء ما كتبه قبل ذلك في مقدمته للإلياذة من أن نشيد " من جبالنا " هو لصديقه شاعر الثورة في حين أن الديوان محل التقديم سواء في طبعته الأولى في بيروت عام 1961 أو في الثانية بالجزائر التي اشتملت على كل ما أنتجه الشاعر مفدي زكرياء من فصيح و ملحون لا اثر فيه لنشيد " من جبالنا "
انظر كذلك بهذا الصدد كتاب الدكتور عبد الله ركيبي : دراسات في الشعر الجزائري الحديث تقديم صالح جودت نشر و طبع الدار القومية للطباعة و النشر < مصر > في سلسلة كتب ثقافية العدد 178 سنة 1961 ص 55.
راجع في هذا الصدد أيضا العدد الأول من جريدة المرصاد الصادرة بتاريخ 17 ديسمبر 1931 لصاحبها محمد عبابسة الاخضري الملقب بـ: "شاعر الاعراش " و هو والد المطرب و شاعر الملحون المعروف الشيخ عبد الحميد عبابسة.
جاء في جريدة المرصاد بالتاريخ المذكور أعلاه ما يلي :
أن تلامذة مدرسة الشبيبة بالعاصمة قد انشدوا نشيد :
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
للشاعر محمد العيد ال خليفة و بحضوره في حفلة افتتاح مدرسة الإصلاح بمدينة " دلس " التي كان يديرها و يعلم فيها الأستاذ حمزة بوكوشة.
أما الجزء الفصيح من النشيد و الذي يبدأ بعبارة:
يا بلادي يا بلادي *** أنا لا أهوى سواك
قد سلا الدنيا فؤادي *** و تفانى في هواك
قد نظمه الشيخ محمد العيد آل خليفة عام 1931 و جاءت الإشارة إليه أيضا في مجلة " الشهاب " في وصف وقائع الحفل الشتوي بمدرسة الشبيبة و التي كان يديرها الشيخ محمد العيد آل خليفة. < انظر وصف الحفل في الجزء الثالث المجلد السابع من مجلة " الشهاب " ص 193 عدد مارس 1931.
و قد أبرزت المجلة صدر القصيد و هو عبارة على البيتين المذكورين أنفا. و قد لقنه لتلامذة " مدرسة الشبيبة " أستاذ جزائري قدم من الشام اسمه محمود لكحل و كان نغم النشيد لحنا تركيا قديما اعتاد المناضلون المسجونون في الشام ترديده على أبيات من نظم الشاعر المناضل فخري البارودي يقول مطلعه:
يا ظلام السجن خيم *** إننا نهوى الظلاما
وطني روحي فداء *** لك من كل ظلامة
تسهيلا لدارسي الموسيقى نضع أمامهم النوتة الموسيقية للحن القديم الذي لقنه الأستاذ محمود لكحل للتلاميذ و الذي أكد لنا لحنه الشيخ عبد الرحمن الجيلالي أطال الله عمره و الذي كان هو الأخر أستاذا في مدرسة الشبيبة إلى جانب عدد من المدرسين المربين و من بينهم أمير شعراء الجزائر محمد العيد آل خليفة.
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما0000.jpg المشاهدات: 19 الحجـــم: 57.2 كيلوبايت الرقم: 40791
ها هي إذن النوتة الموسيقية للحن الذي كان متداولا في الثلاثينيات قبل أن يفرض الزمان اللحن الذي اختاره حسن بالكيرد في الابعينيات و الذي نميل إلى الاعتقاد بان نبعه الأصلي كلاسيكي إيطالي اقتبس منه الفرنسيون لحنهم الذي اعتمده و طوره و صقله القائد الكشفي الموهوب حسن بالكيرد. الذي عرف بإنتاجه الفكري و إبداعه الفني من أناشيد و مسرحيات < انظر سيرته الذاتية>.
و قد وردني من قدماء كشافة سطيف العديد من المطبوعات من بينها قائمة بالصور لرواد الحركة الكشفية بسطيف فلم أجد أثرا لذكر الأخ محمد جنادي و لما سالت مستغربا قيل لي إن هذا كان موجود ضمن الجماعة لكنه لم يتول أي منصب قيادي في " فوج الحياة " و أن لا إنتاج له إطلاقا سوى ما شهده بنفسه على نفسه.
و قد وصلني فاكس من هيئة قدماء الكشافة بسطيف يضم 11 ملاحظة و تصحيحا لما ورد في كتاب " أناشيد للوطن " <*>
الفضل إذن يعود للقائد الكشفي بالكيرد المشهور بحيويته و نشاطه الدءوب و تنشيطه المتميز. في التعريف بالنشيد و انتشاره جماهيريا و قد اثبت في دمجه الملحون بالفصيح و استغلاله الأمثل للنص الجديد مع الموسيقى المناسبة و التي جعلت نشيد " من جبالنا " يتخطى المكان و الزمان. مع تحية عرفان للأخ محمد جنادي أطال الله عمره.
لقد تم اختيار نشيد " من جبالنا " ليكون نشيد أتباع حزب البيان مثلما كان فداء الجزائر النشيد المميز لمناضلي حزب الشعب الجزائري و نشيد شعب الجزائر مسلم نشيد للإصلاحيين.
غير أن الكشافة الإسلامية الجزائرية الملتزمة دائما و أبدا بالخط الوطني و التي تتكون من خيرة شباب الجزائر و أشبالها ذكورا و إناثا كانت و ما تزال تتغنى بجميع هذه الأناشيد دون تمييز معتبرة إياها منهلا صافيا لحب الوطن و الذود عن حياضه و الكد من اجل ازدهاره.
المصدر :-كتاب أناشيد للوطن – إعداد و تقديم الأمين بشيشي – طبعة ثانية منقحة و مزيدة 2007
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3636.jpg المشاهدات: 16 الحجـــم: 161.0 كيلوبايت الرقم: 40794
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3737.jpg المشاهدات: 16 الحجـــم: 176.6 كيلوبايت الرقم: 40795
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3838.jpg المشاهدات: 17 الحجـــم: 140.2 كيلوبايت الرقم: 40796
اضغط على الصورة لعرض أكبر الاســـم: قسما3535.jpg المشاهدات: 15 الحجـــم: 203.5 كيلوبايت الرقم: 40793